في العقدين الأخيرين خاصة و بين الحين والآخر نسمع عن مرض جديد يظهر للبشرية فجأه وينشر الرعب بين الناس وعند التحري نجد أن فيروس الأنفلونزا او فيروس كورونا هو المدان غالبا وعند متابعة التحقيق تشار إصابع الإتهام مباشرة إلى الحيوانات فتارة الطيور وتارة الخنازير والقرود و أكل النمل الحرشفي والجمال وأكثر المتهمين هو الخفاش .
ما هي القصة؟ لنتكلم في هذا الجزء عن عائلة كورونا
عرفت هذه العائلة منذ أكثر من خمسين عام وكانت أهميتها في المجال البيطري تفوق أهميتها عند الإنسان وذلك لما تسببه هذه العائلة من امراض شديدة وأحيانا مميتة عند الحيوان( مثل TGEV عند الخنازير و BCoV عند الأبقار IBV عند الطيور، FCoV، FIP عند القطط و CCoV عند الكلاب ) اما عند الإنسان فغالبا أعراضه بسيطة وهذا ما جعل اهتمام العلماء والباحثين ينصب على دراسة هذا الفيروس في المجال البيطري أكثر من المجال البشري حتى عام ٢٠٠٣ الذي غير الموازين عندما ظهر فيروس خطير من هذه العائلة وسبب حالات وفيات وكانت له القدرة على الانتقال بين الناس.
عندما يصيبنا الزكام عادة لانهتم من هو المسبب فالكل يعرف ان هذه الحالة تستمر لعدة ايام وتنتهي ولا داعي للتفكير كثيرا.
ربما يستغرب البعض بأن هناك حوالي ٢٠٠ سلالة من الفيروسات قد تسبب هذا الزكام مثل
rhinovirus (مسؤول عن40% من حالات الزكام)
Respiratory Syncytial( 10-15% ).
Adenovirusو ،Myxovirus و
وغيرها.
ولكن ما لا يعلمه ربما الكثير هو انا كورونا فيروس مسؤول عن 10% من حلات الزكام لدينا
(طبعا يجب أن نفرق بين الزكام و الأنفلونزا او الكريب الحقيقي والذي عادة يكون أشد ويرافقة سيلان أنفي)
اذا هذا الفيروس تعايشنا معه منذ زمن طويل ولم يشكل لنا مشكلة في اي وقت قبل 2003.
في عالم الحيوان كان لهذا الفيروس العديد من المشاكل فمثلا عند القطط كان يسبب فيروس كورونا فقط التهاب أمعاء بسيط ويشفي تلقائيا بعد فترة، حتى بداية الستينات من القرن الماضي عندما باغت عالم السنوريات (القطط والنمور...الخ) بطفرة تحول بها إلى احد أكثر الفيروسات شراسة و قتلا للقطط.
عند الإنسان أيضا كان الفيروس مجرد ضيف ثقيل لا أكثر إلى ان بدأت هذه العائلة تقذف بجحيمها على البشرية هكذا فجأة وبدون سابق إنذار.
سلسلة من الهجمات الشرشة لهذه العائلة بدأت بفيروس SARS (المتلازمة التنفسية الحادة الشديدة) ثم تلتها بهجمة عنيفة جديدة لفيروس MERS (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية )وأخيرا وليس آخرا فيروس كوفيد 19-COVID و الذي مثل تحول في استراتيجية هذه العائلة بكل معني الكلمة.
تركزت الاستراتيجية الجديدة لهذه العائلة بإطلاق فيروس جديد أضعف من الفيروسات السابقة من حيث الضراوة ولكنه اقدر واسرع على الانتشار و احداث الاصابة بأضعاف مضاعفة.
فيروس كوفيد ينتقل بسرعة فائقة لعدد هائل من الناس إلا انه ليس بدرجة العدوانية والخطورة لسلسلتي كورونا السابقتين بل حتى انه من ناحية نسبة الوفاه هو اقرب لفيروس الانفلونزا الموسمي.
فيروس كورونا SARS كان قد سبب وفاة أكثر من 50% من المصابين فوق سن 65 عام و نسبة أقل بين فئات الشباب اما فيروس كورونا MERS فقد سبب وفاة ما يقارب ثلث المصابين في بعض الدول.
انتشارهما هذان الفيروسان بين البشر بطئ مما سهل من السيطرة على المرضين بدون لقاح حتى.
اما كوفيد فلا تتجاوز نسبة الوفاة فيه في المانيا مثلا عن ١% و هذه النسبة غالبا لدى كبار السن من اصحاب الأمراض المزمنة
اذا باختصار فيروس جديد باستراتيجية جديدة وهي أصب أكثر واقتل اقل.
يتبع......
المقال
للدكتور عروة محمد هاني الملي
استشاري الأمراض والمناعة
من جامعة ميونخ المانيا