أربعة أخطاء كارثية ارتكبتها البشرية و كانت وراء تحويل هذا الفيروس الضعيف إلى عدو ضاري بهجمات شرسة خاطفة ومدمرة لاتنتهي.
بالتأكيد و ما دامت هناك حياة على وجه الارض سيذكر التاريخ هذه الأعوام الثلاثة التي غيرت نمط الحياة على وجه الكوكب . ولكن من واجبنا ايضا ان نوضح للتاريخ ما هي الاخطاء التي ارتكبناها وسببت هذه الكارثة لعل الاجيال القادمة تتعلم ولا تكررها.
كيف تحول الفيروس هكذا وبشكل دراماتيكي ؟ و ما دور البشر بذلك ؟
كان الفيروس لايتعدى كونه ضيف مزعج قليلا يطل علينا بزكام بسيط لا يكلفنا قرشا واحدا لعلاجه و طرده بل حتى الصغير فينا كان يعلم قاعدة الايام الثلاثة (رشحة ثلاثة ايام وبتروح ) حتى جاءت لحظة التغيير الحاسمة ليصبح العلاج وهذا في حال نجاعته يكلف مبالغ باهظة أصبحت عبء كبيرا على الدول العظمى وليس فقط على البشر .
ماذا فعلنا ؟
الخطأ الأول:
لا نلوم كل البشرية بهذا الخطأ ولكن اللوم على من تلاعب بقواعد الفطرة البشرية من خلال جعل اجسامنا مقرا لفيروسات لم تعرفها من قبل. ربما تتعرض أجسامنا لكائنات دقيقة غريبة و عابرة بين الفترة والأخرى فهذا أمر طبيعي ولا يكلف مناعتنا عبء كبير في التخلص منها . ولكن الأمر يختلف عندما ندخل فيروسات غريبة بشكل دائم ومستمر وتصبح اجسامنا مستقرا ومستودعا لها في مواجهة دائمة مع جهازنا المناعي فربما قد تستطيع هذه الفيروسات يوما ما مناورة جهازنا المناعي وتكييف نفسها لتصبح قادرة على التخفي منه و غزو خلايانا وانسجتنا بسهولة .
هذا لا يختلف كثيرا عن موضوع إجراء تجارب على الفيروسات في حيوانات مختلفة لم تكون تعرف هذه الفيروسات سابقا فالنتيجة واحدة هو خلق سلالات متطورة تستطيع غزو كائنات جديدة . طبعا لانريد ان نطول في شرح هذا الخطأ لان اغلب الناس على اطلاع ومعرفه فيه
الخطأ الثاني :
بعد ان ظهر الفيروس وانتهى الأمر كان على البشرية ان تطوقه مباشرة من خلال اغلاق مكان ظهوره وحدود الدولة التي ظهر بها مع ايقاف حركات المرور الخارجية والطيران و منع السفر والخروج من هذه الدولة حتى لاينتشر خارجها وبنفس الوقت عرض تحليله الجيني مباشرة على كل دول العالم و إظهار حقيقته و اعراضه و معدل العدوى والوفيات . ولكن أن تقوم دولة المنشأ بإخفاء الحقائق و السيطرة على الفيروس في مقاطعاتها مقابل ترك اكثر من مليون شخص يسافر كل أنحاء العالم فهذه كارثة يجب عدم تكرارها.
الخطأ الثالث:
تهاون البشرية و خصوصا الحكومات بالتعاطي مع الموضوع بجدية . فمثلا موقف البرازيل ( من أوائل الدول التي أعتبرت ان الفيروس مؤامرة ) كلفها كثيرا جدا . فعدا الوباء الذي انتشر مثل النار في الهشيم ظهرت طفرة جديدة بسبب انتشار الفيروس بسرعات هائلة وتكاثره بأعداد لايمكن حسابها بأحدث أجهزة حساب دقيقة . لم يتوقف هذا الخطأ على البرازيل بل الكثير من دول العالم مثل الهند والتي ظهرت فيها الطفرة الهندية لاحقا كررت نفس الخطأ ولم تتعلم الدرس وتجاهلت الفيروس تماما للقيام باحتفالات دينية.
ترك فيروس مكون من سلسلة وحيدة من الحمض النووي الريبي RNA ومعروف بكثرة طفراته وسهولتها لينتشر ويتكاثر بمعدلات هائلة دون اي ضابط هو خطأ كلف البشرية كثيرا وقد يكلفها ليس فقط طفرات بل سلالات جديدة قد تعيدنا لنقطة الصفر .
طبعا لاننسى مساهمة الكثير من الجهات بل وحتى الاطباء والاكاديميين في هذا الانتشار من خلال تضليل الناس بأن الفيروس مؤامرة والطفرات ستضعف الفيروس ووو....الخ
الخطأ الرابع:
*اللقاح و المناعة المكتسبة بعد الإصابة ايضا ساهمت في حدوث طفرات جديدة . * كيف ذلك ؟ الفيروس عندما يصطدم بحواجز تعيق انتشاره بحرية يلجأ إلى مناورات جديدة لفتح ثغرات في هذه الحواجز.
* المناعة المكتسبة من اللقاح هي حاجز يعيق تقدم الفيروس وانتشاره . فالمناعة في اجسامنا أصبحت بعد اللقاح قادرة على التعرف على الفيروس والقضاء عليه. لذلك كان لابد للفيروس من ان يقوم بمحاولات كثيرة ليطور نفسه حتى يستطيع التخفي من الجهاز المناعي من جديد عبر تغييرات في بروتينات سطحه مثلا وليس حصرا .طبعا المحاولات قد تنجح لتخرج على شكل طفرة جديدة تستطيع اصابة غير الملقحين وجزء من الملقحين الذين يدخلون في النسبة التي يكون فيها اللقاح غير فعال وهي 6% مثلا في لقاح موديرنا .
* لذلك حملات التلقيح كان عليها ان تبدأ بوقت واحد وسرعة كبيرة ولكل أنحاء العالم بلا استثناء وهذا ما لم يحدث ابدا للأسف . طبعا الحل ما زال ممكنا حتى يومنا هذا هو ان نصل لتطعيم اغلب سكان العالم قبل ظهور طفرة او سلالة جديدة لا ينفع معها اللقاح ونعود لنقطة البداية .
* المناعة المكتسبة بعد الإصابة تلعب نفس الدور . الفيروس يحاول بعد الاصطدام بهذه المناعة ان يطور طفرات جديدة تساعده على الانتشار وتحصل نفس النتيجة.
* المناعة الجماعية المناطقية لم ولن تكون حل أبدا !!
فمثلا : تنتشر العدوى في منطقة A وتكتسب مناعة جماعية لفترة ما ثم ينتشر الوباء في منطقة B ويكتسب أهلها مناعة جماعية ايضا لفترة ما . ثم ينتشر الفيروس في المنطقة C بحرية كاملة مع إهمال الناس للاجراءات الوقائية فتظهر طفرة جديدة تصيب المنطقة A من جديد( حيث يصاب من لم يصاب بالمرة الأولى أو من كانت المناعة لديه مؤقتة وانتهت ) وقد تظهر طفرة جديدة في المنطقة A تختلط مع الطفرة للمنطقة C مثلا و تصيب المنطقة B ثم المنطقة C وهكذا بدوامة لن تنتهي
المناعة الجماعية اذا لم تشمل اغلب سكان العالم في نفس الوقت فهي ايضا غير مفيدة ابدا وحدوثها مستحيل في واقعنا المشتت وعدم وجود خطة دولية عالمية موحدة لاجتثاث الوباء . لذلك الحل الوحيد هو تطعيم البشرية بالسرعة القصوى قبل ظهور سلالة جديدة .
نتمنى ان تتعلم الاجيال القادمة من هذه الاخطاء قبل ان يأتي وباء جديد قد يكلف البشرية أضعاف ما كلفها الوباء الحالي من الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية و حتى التعليمية والنفسية .
ملاحظة :اعتمدت في هذه المقالة على خبرة اكثر من 13 عام جمعتها خلال بحث الدكتوراة على هذه الفيروسات التا.جية وامراضيتها المناعية وابحاث مابعد الدكتوراة و متابعتي الدائمة والمستمرة للابحاث والدراسات اليومية لهذا الوباء الجديد منذ يوم ظهوره حتى الآن .
د.عروة محمد هاني الملي
ما الاكاديمية الالمانية العالمية للطب والابحاث.